يوم عاشوراء الفضيل

يوم عاشوراء الفضيل

جمع وترتيب: فؤاد ادعيس

أيام الله تعالى هي الأيام التي تظهر فيها نعمه أو نقمه

و يوم عاشوراء من تلك الأيام العظيمة ، فإنه اليوم الذي أهلك الله عز وجل فيه فرعون وجنده ، ونجّى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام وقومه ، ممن آمن به وبرسالته ، وقد أمر الله تعالى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام بتذكير قومه بهذا اليوم العظيم ، فقال سبحانه : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكّرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } ( إبراهيم : 5) .

أي: قلنا لموسى عليه الصلاة والسلام ادعهم إلى الخير ليخرجوا من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الكفر والجهل والضلال ، إلى نور العلم والإيمان والهداية ( وذكرهم بأيام الله ) أي: بأياديه ونعمه عليهم، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه، وإنجائه إياهم منهم بإغراقه ، وفلقه لهم البحر، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المنّ والسلوى إلى غير ذلك من النعم ، قال ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد من أئمة التفسير رحمهم الله تعالى ( انظر حسن التحرير في تهذيب تفسير ابن كثير 2/ 486).

وقوله : { إنّ في ذلك لآيات لكل صبار شكور } أي : فيما صنعنا بأوليائنا من بني إسرائيل ، حين أنقذناهم من يد فرعون الظالم ، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين ( لآيات ) أي: لعبرة ( لكل صبّار ) كثير الصبر ، أي: عند البلاء وفي الضراء ، ( شكور ) أي: كثير الشكر ، أي: عند النعم وفي السراء . وقد ثبت أن ذلك كان في يوم ” عاشوراء ” من الشهر المحرم .

كما في الصحيحين : من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال: ” ما هذا ؟ ” قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يومٌ نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال عليه الصلاة والسلام : ” فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه ” اللفظ للبخاري ( 2004).

وفي رواية مسلم : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، رأى اليهود يصومون عاشوراء ، فقال : ” ما هذا ؟ ” قالوا : هذا يوم عظيم ، نجّى الله تعالى فيه موسى ، فقال عليه الصلاة والسلام : ” أنا أولى منكم بموسى ” فصامه وأمر بصيامه.

وفي رواية أبي موسى رضي الله عنه قال : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :” فصوموه أنتم ” رواه البخاري ( 2005).

أي يوم هو عاشوراء ؟ قال ابن قدامة رحمه الله في المغني ( 4/441 ) :فإن عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ.

وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنِ ; لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ , قَالَ : ” أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، يوم الْعَاشِرِ ” . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( 759) وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انتهى . قلت: والحديث صححه الألباني، وهو قول جمهور العلماء.

وَجاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : هو التَّاسِعُ ، وَروى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ.

أَخْرَجَهُ الترمذي.

والأول أصح وأشهر ومقتضى اللغة، وأن التاسع هو تاسوعاء.

فضل صيام عاشوراء ماهو فضل صيام عاشوراء ؟

صيام عاشوراء كان معروفاً قبل الإسلام ، فقد روى البخاري ( 4/244): عن عائشة رضي الله عنها قالت: ” كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه ” . فلعل أهل الجاهلية تلقوه من الشرائع السالفة ، كشرع إبراهيم عليه السلام وغيره ، وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغيره ، وصوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بحكم الموافقة لهم كما في الحج ، ولما قدم المدينة علم بسبب صيامه، كما ذكر ذلك القرطبي والحافظ ابن حجر.

وكان في أول الإسلام واجبا على الصحيح ، فلما افترض رمضان كان هو الفريضة ، وصار صيام عاشوراء على وجه الاستحباب.

وجاء ما يدل على حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صيام هذا اليوم، حتى بعد فرض رمضان.

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ ، إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شهر رمضان. ” رواه البخاري (2006 ).

ومعنى ” يتحرى ” أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه وأجره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضله: ” صيام يوم عاشوراء ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ” رواه مسلم (1976) . وهذا من فضل الله علينا ، أن أعطانا بصيام يوم واحد ، تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم. استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ” قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم (1916).

قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر , ونوى صيام التاسع . وعلى هذا فصيام عاشوراء يصوم أن يصام وحده ، والأفضل أن يصام التاسع معه ، وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب.

لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ” رواه مسلم .

317 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *